الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

قيم العمل .. وأثرها على الأداء الوظيفي

2014-11-04 22:46:46

قيم العمل هي مجموعة المبادئ والتعاليم والضوابط الأخلاقية والمهنية التي تحدد سلوك الموظف الإداري، وترسم له الطريق السليم الذي يقوده إلى أداء واجبه الوظيفي ودوره في المنظومة الإنتاجية التي ينتمي إليها، وهي إلى جانب ذلك السياج المنيع الذي يحميه من الخطأ والزلل، ويحول بينه وبين ارتكاب أي عمل يخالف ضميره، أو يتنافى مع مبادئه . وتختلف قيم العمل من مجتمع إلى مجتمع، كما تختلف من شخص إلى آخر، لكن هناك إجماعاً على أهمية قيم العمل وضرورتها لأي كيان إنساني، أو أي منظومة إدارية، خاصة في البلاد التي تسعى جاهدة لبناء نفسها وتطوير مؤسساتها وبنيتها الاجتماعية والاقتصادية، بوصفها ضمانة لتحقيق معدلات إنتاجية أعلى، وتنشئة أجيال محبة لعملها مخلصة لمجتمعها ولوطنها .
إن قيم العمل تعد لأي مجتمع إنساني من أهم الركائز التي تقوم عليها تنميته وتطويره لدورها الهام في جعل الفرد يشعر بقيمة ما يؤديه من عمل ورفع الأداء والإنتاجية ، وتختلف المجتمعات الإنسانية في مدى اهتمامها بقيم العمل أو ما يسميه البعض (ثقافة العمل) القائمة على مفهوم حب العمل ودرجة الالتزام به . وإذا طبقنا ذلك المفهوم على واقعنا الإداري في المملكة فإننا نجد أن هذا الواقع يتطلب منا وقفة حقيقية ، لإعادة النظر في كثير من مفاهيمنا الوظيفية لتفعيل منظومة القيم برفع مستوى الوعي الاجتماعي وتحقيق الالتزام و زيادة المسؤولية الأخلاقية للأفراد تجاه مجتمعهم  لإعادة صياغة ما ترسب من قيم سلبية أدت إلى هدر الإنتاج وضعف الأداء وتبديد وقت العمل. مع أهمية التركيز ، وربما هذا هو الأهم ، على الجيل الجديد من الموظفين الذي سيقود عملية التنمية في المستقبل من خلال تعزيز القيم الوظيفية الأساسية التي نرغب في ترسيخها .
بلورة مفهوم القيم
قبل الإجابة عن السؤال المتعلق فيما إذا كانت قيم العمل موجودة في واقع حياتنا الوظيفية أم لا، يتطلب الأمر تحديد وبلورة مفهوم القيم من خلال الواقع الإداري ليتسنى لنا أمر الحكم أو إعطاء رأي ، لذا يمكن تحديد مفهوم القيم بشكل عام على أنها المكون النفسي والعقلي (المعتقد) لدى الناس حول شؤونهم وأحوالهم في أمور الدنيا من معاملات وتصرفات في الحياة اليومية،  حيث تقوم القيم كمعتقد راسخ يؤمن بها الفرد من حيث توجه سلوكه وتنظيم علاقته بالواقع والمؤسسات والآخرين من حوله في أثناء تعامله وتفاعله اليومي، وتجدر الإشارة إلى أن العلوم الاجتماعية تميز بين نوعين من القيم هما : قيم الوسيلة وقيم الغاية، حيث يعد النوع الأول معتقدا يفاضل فيه الفرد بين سلوك وآخر، الصدق أفضل من الكذب، الشجاعة أفضل من الجبن، الكرم أفضل من البخل، أما قسم الغاية فتتمثل بمجموعة القيم التي تحدد لنا الغايات المثلى التي تسعى لتحصيلها وذلك لارتباطها بتحقيق المجتمع المدني الحديث، ويمكن الإشارة إلى أهم قيم العمل العامة في المجتمعات الحديثة والمعاصرة، وهي على سبيل المثال: التمثل بالأخلاق والآداب العامة، الاتصاف بالاستقامة والنزاهة، الإحساس والشعور بالمسؤولية، احترام القانون والامتثال للأنظمة والمبادئ العامة،احترام حقوق الآخرين وتقدير خصوصياتهم، حب العمل، الدافعية الذاتية نحو الأداء المتميز، تمثل الدقة والانضباط سلوكيًا.
كما تجدر الإشارة إلى أن مجموع القيم السابقة يعتبر المحرك الرئيس لتطور ورقي منظمات العمل في الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية، حيث تبنى هذه القيم تربويًا في أفراد المجتمع وتم تمثلها عمليًا في واقع التعايش والتعامل اليومي.
الالتزام بالوقت والإنتاجية
عندما نتحدث عن قيم العمل نحن لا نتحدث عن قيم مطلقه تسبح في فضاء تنظيمي معين ولكن نتحدث عن قيم نسبيه توجد على نحو درجات متفاوتة حسب الظروف المحيطة بكل بيئة عمل ، ولو حاولنا النظر إلى بين قيم العمل في مجتمعاتنا مقارنة بالمجتمعات الغربية على سبيل المثال ، هنا سوف نجد اختلاف كبير في الدرجة يميل إلى صالح المجتمعات الغربية التي قطعت شوطا حضاريا طويلا في بنيتها التنظيمية والمؤسسية وبالتالي نستطيع أن نلاحظ الاختلاف بشكل لافت للانتباه ، فالالتزام بالوقت والإنتاجية والالتزام بالقوانين مع المرونة تعد من السمات الرئيسية في ثقافة المنظمات بكل أنواعها سواء المؤسسات العامة أو القطاعات الربحية الخاصة .
المفهوم الحقيقي للعمل
من أسباب غياب قيم العمل لدى بعض الموظفين في محيطنا الإداري هو عدم تقدير  المفهوم الحقيقي للعمل باعتباره علاقة إيجابية متكافئة بين طرفين لا يجور أحدهما على الآخر (حقوق وواجبات) ، لاسيما في ظل عدم اهتمام بعض الجهات الحكومية بالتأهيل والتدريب العملي المناسب، خاصة للمسئولين و والمديرين الذين يمثلون قدوة للموظفين الآخرين فيبدون أمامهم ضعفي الكفاءة ، والخبرة والتخصص مما ينجم عنه مشكلات تتسبب في تعويق مسيرة العمل (ففاقد الشيء لا يعطيه)  فتتراجع قيم العمل بشكل كبير ، إضافة إلى أن  بعض العوامل الاقتصادية تلعب دوراً مؤثراً كتدني المردود المادي و ضعف الحوافز بأشكالها المختلفة ، ووجود ممارسات غير مقبولة من قلة من المسئولين عندما يكافأ الموظف لأسباب بعيدة عن الكفاءة المهنية لوجود مصلحة ما في الوقت الذي يبعد فيه الموظف  النشيط ، هذه الأجواء السلبية تلقي بظلالها الكئيب على الواقع الوظيفي وتسهم في غياب قيم العمل وتدني مستوى الإنتاج .
التزام شخصي بين الفرد والمؤسسة
هناك العديد من الآثار الإيجابية لوجود موظفين يطبقون قيم العمل ويحرصون عليها ، من أهمها تقوية الروابط والعلاقات الاجتماعية داخل بيئة العمل بما يكفل ضمن الحدود اللازمة نجاح العمل واستمراره ، ومردوه الايجابي الذي يشعر به الموظف ، و يعزز فيه تحمل المسئولية ، وتزيد معدلات الجودة والدقة في العمل وإتقانه مما ينعكس على المحصلة النهائية والناتج الكلي للأداء  ، على اعتبار أنها تعني التزام شخصي بين الفرد والمؤسسة التي ينتمي إليها ،، ولاشك أن وجود إجماع على التمسك بقيم العمل في مؤسسة ما يمكنها من الوصول للنتائج المرجوة وتحقيق الأهداف ، وتعطي مصداقية للعاملين مما يمنح الجهة ثقة الجمهور والمتعاملين معها ،  أما الآثار السلبية فهي بطبيعة الحال عكس ذلك تماماً .
الحوافز والعقوبات
يمكن تنمية قيم العمل لدى شريحة الموظفين عن طريق تزيدوهم بالمهارات اللازمة لأداء أعمالهم وتعريفهم بثقافة المنظمة ومدى جديتها في الالتزام بأداء وظيفتها أمام الجمهور المستفيد من الخدمة التي تقدمها له إضافة إلى وجود اللوائح التنظيمية الواضحة التي تعرف الموظف بمهام وظيفته وهذا يحتاج إلى إعطاء دورات تدريبيه داخل المؤسسة وخارجها فكلما زادت كفاءة العاملين في المنظمة أو المؤسسة كلما زادت قدراتهم الوظيفية وكلما انعكس ذلك على أداء المؤسسة ككل، إضافة إلى السعي إلى إيجاد نظام واضح يحدد الحوافز والعقوبات .
توفير بيئة وظيفية مناسبة
الشباب هم القلب النابض، والمستقبل الواعد لأي أُمة تنجح في التواصل معه ، ومعرفة احتياجاته وطموحاته، والمرحلة اليوم تتطلب الاهتمام بشريحة الموظفين الجدد لكي تنجح برامج الإصلاح الإداري وتحقق المأمول منها ضمن منظومة العمل المحلية ، بهذه الرؤية الواضحة والاعتناء بالموظفين الجدد من خلال غرس الانتماء في نفوسهم ، والتأهيل المناسب ، و تعزيز ثقافة المنافسة الإيجابية والتميز والإبداع في العمل ، وتوفير بيئة وظيفية مناسبة تسمح باستثمار إمكانياتهم وقدراتهم في تطوير الأداء وتشجيع المبادرات الايجابية بما يعود بالنفع والفائدة على المنظمة بشكل عام ، مع التأكيد على أن كل ذلك لن يجدي نفعاًُ ما لم تتوافر  القدوة الإدارية الواعية والمدركة لأهمية استحضار قيم العمل في جميع تعاملاتها مع مرؤوسيها كحسن المعاملة ، والإصغاء لاقتراحات ومطالب الموظفين ، والحرص على الأمانة والنزاهة ، و مراعاة وقت العمل ، والالتزام تجاه الأنظمة واللوائح ، والحرص على تطوير المهارات الوظيفية لجميع العاملين .
 
د . محمد درويش

 


مشاركة :
طباعة