الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

مخططات التطوير وإعادة الإعمار وتنظيم المناطق والعشوائيات بدأت والتنفيذ يمتد لخمسين عاماً

2018-10-14 21:20:00


مع موجة الحديث عن إعادة الإعمار وتنظيم المدن والمناطق ووضع برامج عمل جديدة وفق منظور متطور للكثير منها، تظهر الكثير من الأسئلة عن مصير المواطنين الفقراء وأصحاب الدخول الضعيفة والأقل من محدودة فيما يتعلق بجانب السكن، فمع تصاعد وتيرة الإعلان عن نية شركات عقارية وتطويرية البدء بتنفيذ مدن حديثة بأبنية ذات طراز متطور وخدمات 7 نجوم، بدأنا نسمع بأرقام فلكية لأسعار الشقق والمساكن في تلك المدن الحديثة والتي هي بالأساس تقوم على أنقاض منازل كانت مملوكة بالأساس لمواطنين، ولعل ما هو حاصل في مشروع 66 خلف الرازي يشير بوضوح إلى ذلك.

الأسئلة المشروعة التي بدأت تثير قلق المواطنين عن مستقبل سكنهم وإقامتهم واستقرارهم مع أسرهم باتت اليوم هي الشغل الشاغل بعد تراكم التصريحات من مختلف الجهات الحكومية التي تتحدث عن مخططات تنظيمية جديدة والنية بالدخول إلى مناطق سكن عشوائي بهدف تنظيمها أو إعادة بنائها من جديد أو ما إلى ذلك، وهي تصريحات بدا بعضها غير واضح تماماً ما أدى إلى تزايد الشعور لدى المواطنين بالرغبة في الحصول على إجابات شافية لتساؤلاتهم المحقة والتي ترتبط بشكل وثيق بمستقبل حياتهم وحياة أبنائهم.

فكما هو معلوم إن عامل السكن والاستقرار هو الأهم في بناء مجتمع متوازن وقادر على العطاء والبناء والتطور، وأما حالة التشرد وعدم الاستقرار لا تنتج سوى أشخاص مضطربين وغير قادرين على الإنتاج الصحيح أو المشاركة في أي خطوة باتجاه التطوير.

محافظة دمشق تحدثت مؤخراً بشكل واضح وصريح وبالاسم عن معظم مناطق السكن العشوائي في العاصمة، وقالت إن البداية ستكون من برزة والقابون وجوبر، على اعتبار أنها من أكثر المناطق التي تعرضت للدمار والهدم والتخريب، حيث سيتم وضع مخطط تنظيمي شامل لها، استعداداً للبدء بالتنفيذ، وتليها مناطق دف الشوك والتضامن والزاهرة، ثم المزة 86، وتالياً منطقة سفح جبل قاسيون وبعدها المعضمية ومعربا، وذلك سيتم خلال برنامج زمني يبدأ هذا العام 2018 وينتهي في العام 2024، أما مرحلة التنفيذ فيمكن أن تمتد إلى 50 عاماً قادماً.

تطمينات المحافظة ذهبت باتجاه لحظ تأمين السكن لكل مواطن في حالات الإخلاء من المنازل، سواء عن طريق التعويض بالأجور البديلة أو بالسكن البديل ضمن المنطقة ذاتها ريثما يتم الانتهاء من تنظيمها.

وبينما يترقب المواطن ما ستؤول إليه كل تلك الأفكار والتوجهات المرتبطة بملف السكن، تخرج علينا بعض الأصوات حاملة توقعات لسوق العقارات في سورية مرة بالانخفاض ومرة أخرى بالارتفاع، بالانطلاق من نفس معطيات الواقع ونفس الظروف والتحديات.

وفي هذا يتساءل كثيرون عن جدية وموثوقية تلك التوقعات ومدى دقتها، حيث أن من توقع بانخفاض أسعار العقارات استند في توقعه هذا إلى مبررات تكاد تبدو موضوعية وهي حالة الجمود التي تشهدها أسواق العقارات منذ عدة أشهر، إلى جانب استقرار سعر صرف الليرة أمام الدولار، طبعاً هذه التوقعات لم تذهب لأكثر من نسبة انخفاض لا تتجاوز من 3% - 7% في أحسن أحوالها، وأن أي انخفاض ملموس على أسعار المساكن والبيوت يتطلب تدخلاً حقيقياً من قبل الجهات الحكومية، عبر بناء منازل ومساكن للمواطنين.

وطبعاً وبما أن التوقعات ذاهبة باتجاه الانخفاض فهذا ينطبق على الايجارات أيضاً، التي قد تشهد تراجعاً بنسبة 25% لأسباب تتعلق بعودة الكثير من المواطنين المهجرين إلى مناطقهم وبيوتهم التي هُجِّروا منها، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الطلب على الاجارات وبالتالي اضطرار أصحاب العقارات إلى تخفيض بدل الاجار.

ويتجه الرأي العلمي الأكاديمي في هذا المجال، بحسب ما تناقلته بعض الوسائل مؤخراً، إلى أن تباطؤ النمو بشكل عام أدى إلى هدوء في أسعار العقارات، إلا أن الواقع يتحدث عن أن بعض التجار والأفراد يقومون بالمضاربة بسوق العقارات بهدف المحافظة على قيمة الأموال الفائضة لديهم، وتحقيق أرباح، وبالتالي وبسبب عدم وجود مصارف كافية ولا أسواق مالية، فقد تركز الاهتمام على العقارات، الأمر الذي يساعده في حماية أمواله من التآكل في حال حدوث تضخم، وما يشهده الاقتصاد السوري مؤخراً من تراجع ناجم عن تداعيات الحرب العدوانية على البلاد، دفع بالكثيرين للتوجه نحو العقار لادخار أموالهم فيه ومن ثم المتاجرة، وكسب الأرباح الكبيرة، حيث أن أسعار العقارات في سورية غير مضبوطة، وتقييمها مرتفع جداً، ولا يتناسب مع مستويات دخل الشرائح الأوسع من المجتمع.

وفي ضوء ذلك لا يمكن أن تصدق التوقعات بحصول انفراج كبير في أسعار العقارات هبوطاً، بالنظر إلى المعطيات الحالية، وأكثر من ذلك ذهب البعض إلى القول بأن العودة إلى أسعار ما قبل الحرب حلم لن يتكرر.

فما تزال أسعار مواد البناء مرتفعة إلى جانب أسعار الأراضي والنقل والمحروقات وحوامل الطاقة وغيرها، إلى جانب حالة شبه استقرار لسعر الصرف، ما يعني أن الأسعار لن تنخفض بهذه السهولة المتوقعة.

ولأن قطاع العقارات غير منظم وغير مضبوط بالشكل اللازم فقد تركت الساحة أمام السماسرة والمضاربين، ولعل ما نشهده من الانتشار الكثيف للمكاتب العقارية وبعض الشقيعة، وما نشهده على وسائل التواصل الاجتماعي من نشاط ملحوظ لهذه التجارة يؤكد أنها مجال عمل سهل ويؤمن مصدر دخل جيد لمن يعمل به، لقاء عمليات السمسرة والبيع والشراء والتأجير.. وبمجرد القول بذلك فإن أي توقعات بالانخفاض سوف لن تكون واردة.

إلا أن ما هو مطلوب اليوم من أسعار للشقق والعقارات على العموم مبالغ فيه إلى أبعد الحدود، والتي تبدأ من عشرة ملايين وقد لا تنتهي بمئات الملايين، وذلك بحسب الموقع والمكان والمنطقة.

ففي مناطق السكن العشوائي يمكن أن تجد منزلاً لا تتجاوز مساحته 60 متراً مربعاً بسعر يصل إلى عشرة ملايين ليرة، وهناك شقق تتجاوز أسعارها 40 مليون في نفس المنطقة، في حين أن أي شقة داخل التنظيم (طابو أخضر) لا يمكن أن يجلس البائع على بازارها بأقل من 70 مليوناً فما فوق، طبعاً بحسب المنطقة والموقع والمواصفات الفنية للشقة.

حالة الفلتان هذه التي تشهدها سوق العقارات، والمضاربات والأرقام الفلكية التي تتداول ما بين البائع والشاري والوسيط بينهما، لا تشير إلى حالة انتعاش اقتصادي، وإنما على العكس تماماً، فهي تشير إلى تراجع في النمو الاقتصادي، وعدم وجود منافذ استثمارية ذات جدوى اقتصادية جاذبة للمستثمرين والتجار، الأمر الذي دفع بالغالبية منهم للتوجه إلى قطاع العقارات، للاستثمار والادخار، كونه حالياً هو الأنسب في وقت لم يعد سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار متذبذباً ومتجهاً نحو الصعود، كذلك بالنسبة للذهب الذي فرضت مؤخراً على عمليات البيع فيه ضرائب أو رسوم من شأنها أن تقلل من كون تجارة الذهب فرصة للادخار والاستثمار للكثير من أصحاب الأموال والتجار والمدخرين.

كل هذا يستدعي الحديث عن ضرورة أن يكون هناك دور واضح للجهات الحكومية المعنية بالقطاع السكني، بما يخفف من حجم المضاربات في هذا القطاع، ويهيئ الفرصة لتملك المواطن منزلاً آمناً وصحياً ضمن الإمكانات المتاحة.. وذلك بالتعاون مع القطاع المصرفي الذي يجب أن يزيد في حجم الإقراض للمواطنين لأغراض السكن.



مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك