الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

غذاؤنا.. ما بين مفهومي الجودة والسلامة

2018-05-13 07:44:04

شهدت السنوات الماضية تنامي ظاهرة خطيرة جداً على صحة الإنسان، ويكاد لا يمر أسبوع إلا ونسمع عن ضبط كميات من الأغذية الفاسدة أو غير صالحة للاستهلاك البشري أو لمخالفات بالمواصفات ومستوى الجودة، أو غير ذلك كانت في طريقها إلى المستهلك أو أنها بالفعل ضبطت في الأسواق المحلية، ولعل هذا الأمر أصبح يؤرق المستهلك ويشعره بحالة من عدم الأمان نتيجة تخلخل الثقة بمستوى جودة وسلامة الغذاء المباع في الأسواق المحلية سواء منه المنتج محلياً أو المستورد، فكلاهما طالته يد الغش والتدليس والتلاعب حتى باتت حالة التوجس لدى المواطن تدفعه للشك بكل ما يشتريه من أغذية بما فيها الخضار والفواكه الطازجة...!
ذلك أن أكثر ما يثير مخاوف الإنسان هو الأمراض التي قد تدهم جسده نتيجة لتناوله أطعمة ومأكولات تحمل له العلة والمرض وبعضها أمراض قاتلة.

جودة الغذاء وسلامته
في هذا يقول الدكتور غياث ديوب المتخصص بالأغذية والصحة الغذائية إنه كان الاهتمام في الماضي ينصب على جودة الأغذية، وأصبح الاهتمام يتجه ليس فقط لأن يكون الغذاء مفيداً ونقياً، بل ألا يساهم في الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب أو العدوى بالميكروبات أو التسمم أو غير ذلك من الأمراض، ولعل هذا ما دفع باتجاه ظهور مفهوم سلامة الأغذية من المخاطر.
وهنا يمكن أن نلاحظ تبدل اهتمامات المستهلكين على مدى العقود الماضية، ففي سبعينيات القرن الماضي كان التركيز على سلامة الغذاء من المواد المضافة، وتغير ذلك في الثمانينيات حيث كان الاهتمام بسلامة الغذاء من بقايا المبيدات الزراعية والإشعاع، وفي التسعينيات كان الاهتمام ينصب على جانب التكنولوجيا الحيوية والأغذية المهندسة وراثياً، ومع بداية الألفية الثانية بدأ التركيز على تقييم وإدارة المخاطر في الأغذية سواء كانت مصادر الخطر بيولوجية أو كيميائية أو فيزيائية.

ما بين المُنتِج والمستهلك
ويشير الدكتور ديوب إلى أن مفهوم سلامة الغذاء يعنى بجميع الإجراءات اللازمة لإنتاج غذاء صحي وغير ضار بصحة الإنسان وخال من أي نوع من أنواع المخاطر، وما بين المستهلك والمنتج نجد اختلافاً في وجهة النظر نحو مفهوم سلامة الغذاء حيث ينظر إليه المستهلك من منطلق أنه يريد غذاء طبيعياً وصحياً وطازجاً وبدون مواد إضافية وخالياً من المخاطر التي تهدد سلامة صحته، أما المنتج فيبحث عن إنتاج غذاء بكميات كبيرة واقتصادية مع استخدام المضافات لإطالة فترة التخزين وجعل اللون جذاب والطعم مقبول في إطار المواصفات الموصى بها.
ويجد الدكتور ديوب أنه لا يكفي القول بأن سلامة الغذاء تعني عدم حدوث ضرر صحي للإنسان عندما يستهلك الغذاء، لأن المستهلك قد يتعرض لمواد سامة معينة في الغذاء قد لا يظهر أثرها الضار إلا بعد عدة سنوات من تناول هذه المواد.

تعريف الجودة والسلامة
ومن هذا المنطلق وجد الدكتور غياث ديوب أنه من الضروري التفريق بين مفهومي جودة الغذاء وسلامة الغذاء، فجودة الغذاء تعني أن كل المتطلبات الموضوعية والمعنية بخصائص وصفات الغذاء تم تحقيقها والمتعلقة بالطعم والرائحة والمظهر والقيمة الغذائية والحمولة الميكروبية، بينما سلامة الغذاء تعني أن كل المتطلبات الموضوعة والمعنية بالخصائص والصفات التي من المحتمل أن تسبب ضرراً على الصحة أو تسبب مرضاً أو إصابة ما قد تم تحقيقها والمتعلقة بمرض ما يحدث عند تناول الغذاء قد يكون بسيطاً (كالإسهال مثلاً) وقد يكون لا قدر الله مميتاً أو قد يؤدي لمضاعفات خطيرة كأنفلونزا الطيور مثلاً.
كذلك فإنه من الممكن استخدام بعض خصائص الجودة كالعد الكلي للبكتريا كمؤشر لسلامة الغذاء، لكن خصائص الجودة بشكل عام ليست معنية بسلامة الغذاء فقط، والغذاء الذي لا تتأكد سلامته أي يكون غير مستوف لاشتراطات السلامة، يصبح بالضرورة غير جيد أو عديم الجودة لأنه غير مستوف لاشتراطات الجودة، وفي نفس الوقت يمكن للغذاء أن يكون سليماً أي مستوف لاشتراطات السلامة، لكنه يصنف بأنه غير جيد ولا يحقق اشتراطات الجودة مثل خصائص اللون والطعم غير المرغوب مثلاً في بعض الأغذية.

إدارة سلامة الغذاء
وفي السنوات الأخيرة زاد الاهتمام بسلامة الغذاء نتيجة لظهور الأمراض المختلفة والتي في أغلبها تعزى إلى نوع ونمط الغذاء المستهلك، وقد تمت الاستفادة من بعض التجارب والخبرات السابقة فأفرزت عددا من الإجراءات الصحية من تطبيق الجودة الشاملة والممارسة الصحية الجيدة في التصنيع إلى الوصول إلى تصنيع الغذاء الخالي من العيوب ويسمى الآن (نظام الهاسب) وثم الايزو 22000 ويطلق عليه نظام إدارة سلامة الغذاء، وهو يتطلب تضافر جهود جميع الجهات المنتجة لسلسلة الغذاء لتحقيق سلامة الغذاء، وهم منتجو المحاصيل والأعلاف وصانعو المبيدات والمخصبات والأدوية البيطرية وناقلو ومخزنو الغذاء وتجار الجملة ومحلات بيع المفرق ومقدمو الخدمات في المطاعم وغيرها، ومنافذ خدمات البيع والمكونات المضافة للأغذية، وكذلك المعدات ومواد التغليف وصولاً إلى الزبائن أو المستهلكين.. كل هؤلاء عليهم أن يساهموا في ضمان سلامة الغذاء ضمن خطط وبرامج عمل محددة ومفاتيح أساسية مسؤولة عن تأكيد سلامة الغذاء عليهم توفيرها لتحقيق الهدف، من خلال التخطيط لنظام إدارة سلامة الغذاء وتوفير المتطلبات والاحتياجات له، ووضع سياسة واضحة لسلامة الغذاء وتحديد المسؤوليات والصلاحيات من قبل إدارة فريق سلامة الغذاء لكل فرد.

إنتاج غذاء سليم
وفي كل منشأة غذائية يجب توفر الموارد لإنشاء وصيانة بيئة العمل اللازمة لتطبيق متطلبات المواصفة القياسية الدولية ويشترط على المنشأة أن تخطط وتطور من العمليات اللازمة لإنتاج غذاء سليم من خلال وضع برامج مكافحة الآفات وبرامج النظافة والصيانة وبرامج التخلص من المخلفات ومكافحة الحريق والتعامل مع المواد المسببة للحساسية و... غير ذلك، مع وضع خطة لتحديد المخاطر وتحليلها للتمكن من السيطرة عليها لضمان سلامة الغذاء، والعمل على تطبيق متطلبات التصنيع الجيدة والممارسات الصحية الجيدة وممارسات الزراعة الجيدة والممارسات البيطرية الجيدة، مع ضرورة وضع خطة ونظام عمل للتحقق من تنفيذ وتفعيل متطلبات التشغيل وخطة تحليل المخاطر، ووضع نظام لتتبع المنتج من بداية تصنيعه وحتى وصوله لصورة منتج نهائي.

رقابة وقائية
ويقول الدكتور ديوب إن نظام إدارة سلامة الغذاء يهدف إلى تطبيق رقابة وقائي على الأنشطة الغذائية، ويتميز بأنه شامل ومتكامل ويتسم بالمرونة والقابلية للتطبيق والتدقيق وسهولة الدمج مع أنظمة أخرى حيث يشمل على البرامج الأولية لسلامة الغذاء ونظام إدارة الجودة والتواصل والتبادل المستمر للمعلومات مع المرتبطين بالسلسلة الغذائية، ونظام الهسب.

فوائد
وهناك فوائد تنعكس على المنشأة التي تطبق هذا النظام أهمها تحقيق رضا المستهلك وزيادة الثقة بالمنتج والحد من الأمراض المنقولة بواسطة الغذاء أو الماء، بناء سمعة جيدة للمنشأة والمنافسة في الأسواق، وضبط والتحكم بإجراءات العمل وتقليل الهدر والتلف، وتوفير بيئة عمل منظمة ومريحة، والتقليل من الشكاوى على المنشأة، إضافة إلى تفادي الإجراءات القانونية المتخذة بحق المنشأة وذلك لكونها ملتزمة بالتشريعات والقوانين.

وعقبات
وكشف الدكتور ديوب إن تطبيق نظام إدارة سلامة الغذاء في المنشآت يواجه سلسلة من المعوقات والصعوبات منها قلة الخبراء والمختصين، وعدم كفاية المتطلبات القانونية، وقلة الموارد المالية والمصادر الفنية خاصة للمنشآت الغذائية الصغيرة الحجم، وغياب التدريب والتأهيل للأيدي العاملة، والإهمال واللامبالاة لدى الكثير من أصحاب المنشآت الغذائية حول تطبيق هذا النظام من خلال إعطاء الربح المادي أولوية مقارنة بالجانب الصحي، وضعف التنسيق والتعاون والتواصل بين الجهات المرتبطة بسلامة الغذاء.
محمود ديبو

المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك