الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

نجحن في دخول سوق العمل

2018-01-02 11:15:37

نساءٌ سرقت الحرب تفاصيل حياتهن، ولكنها لم تستطع أن تسرق إرادتهن وعزيمتهن على مواصلة الحياة.. سيدات ناجحات على الرغم من بساطة العمل الذي يقمنَ به؛ ففي أحيانٍ كثيرة، يكفي أن تقاوم، ومثل هذه القدرة على التحدي تمثّل، وحدها، نجاحاً وانتصاراً على الحرب.. بهذه الكلمات بدأت مريم حديثها.. السيدة الأربعينية التي تقيم في أحد مراكز الايواء، حيث تعمل على جمع أطفال المركز ومتابعة دروسهم، ودون أي مقابل، ترى أننا كنساء سوريات يتوجب علينا تقديم كل ما يلزم، إذا كنا قادرين عليه، وترى أنّها باهتمامها بتدريس الأطفال تؤدي رسالةً نبيلةً لطالما آمنت بها، وتشدد على أهمية متابعة الأطفال وتعليمهم، مضيفةً - من باب الفكاهة: "أنا أساعد الأطفال والأمهات يحضرن لي ما يتيسر لإعداد الطعام لي ولأولادي".
مريم تركت قريتها في أحد أرياف حلب، وانتقلت للعيش هنا مع طفليها بعد أن تعرّض زوجها للخطف، وفقدت عملها، وكونها تمتلك خبرة بالتعامل مع الأطفال والاهتمام بتدريسهم، خاصةً وأنها كانت تمتلك روضة للأطفال في قريتها، فهي لا ترى ضيراً من تقديم المساعدة هنا، فهذا العمل يشعرها بالسعادة والرضا عن الذات، ويجعلها محطّ تقديرٍ واحترام الجميع، لدرجة أنّ الكثير من الأهالي أصبحوا يستشيرونها بخصوص بعض الأمور المتعلقة بأطفالهم.

استنكار ورفض لبعض المهن
بدايةً استنكر الكثير مشهد السيدات، وهنّ يرتدين البزّات الزرقاء، ويقمنَ بتنظيف الشوارع ، معتبرين أنّ هذا العمل ينطوي على إهانة للمرأة، ولكن فكرة المشروع أُطلقت، حقيقة، تحت شعار "النظافة ثقافة"، الذي كان أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، حيث رأت نساء كثيرات في هذا المشروع فرصة لتحسين ظروف معيشتهن، خاصةً وأنّه يقدّم راتباً لا بأس به، فالنساء اللواتي فقدنَ أزواجهن، أو اللواتي لا يمتلكنَ أي دخلٍ يكون معيناً لهن، أو اللواتي نزحنَ إلى مدن أخرى، هنَّ أحوج ما يكن لفرصةِ عملٍ، وطالما أن هذا العمل يحفظ لهن كرامتهن، ويؤمن دخلاً لابأس به، فما المانع من مزاولته؟.
أم نضال تعمل في هذا المشروع، وترى أنه لا مشكلة لها في ذلك، فهو يبقى أفضل من عملها في البيوت: "على الأقل هنا تحس بالأمان أكثر، على الرغم من نظرات بعض المارة"، مضيفة أن ما يثير استغرابها بالأحرى هو أن "البعض لا يستنكر وجود بعض النساء اللواتي يقمن بطلب المال من المارة في الشوارع، وهن يحملن أطفالاً رضعاً، وبكل ما يحمله هذا المشهد من ذل وإهانة"، يستنكرون فكرة عملنا التي نجني من خلاله بعرق جبيننا ما يسد رمق أطفالنا: "مجتمع قاس وظالم لا يرحم!"، ختمت محتجة!.
الحرب الظالمة أجبرت الكثير من النساء على العمل بمهن قاسية كانت تقتصر على الرجال لما تحتاجه من قوة عضلية، كعمل بعضهن في أحد أسواق هال مدينة دمشق، حيث قمن بنقل بعض البضائع: "شو جبرك عل المر غير الأمر"، بهذه العبارة بدأت أم أحمد حديثها، متابعة: "إن من يملك شهادات جامعية لا يحصل على عمل، فكيف سيكون وضع من هو مثلي لا يستطيع فك الحرف، الحرب تسببت بفقدان الكثير لوظائفهم، وأغلقت الكثير من المنشآت الصناعية والحرفية، وقد كنت أعمل في مصنع صغير لتصنيع الألبان والأجبان، ولكن الظروف القاسية أجبرت صاحب المعمل على إغلاقه، فخسرت عملي أنا وكل من كان يعمل فيه، بالتأكيد لم تراودني، يوماً ما، فكرة مزاولة مثل هذا العمل المجهد، ولا حتى في الخيال"، مع ذلك، ورغم قساوته، فإن أم أحمد ترى أنه "أفضل بكثير من الوقوف في طوابير أمام أبواب الجمعيات" للحصول على إعانة مالية، أو على بعض المواد الغذائية التي بالكاد تكفيها بضعة أيام مع أطفالها الثلاثة، والتي تحرص على أن يستكملوا تعليمهم بعد فترة انقطاع دامت ثلاث سنوات، مضيفة أنها لا تكترث أبداً لـ "نظرات البعض التي قد تحمل مشاعر السخرية والاستهزاء"، وتصر على أن تكمل عملها حتى نهاية اليوم، ثم تعود بسلام إلى منزلها راضية عما قامت به، وفي جعبتها بعض الأوراق النقدية التي تمثّل ثروة بالنسبة لها.

أحكام مسبقة
إعلانات تملأ جدران المدينة تعرض فرص عمل لفتيات تتراوح أعمارهن بين 18- 35 حصراً، وبرواتب مغرية، ومواصلات مؤمنة، مع التغاضي عن شرط الخبرة في أحيان كثيرة، ما يثير مشاعر القلق والريبة وعدم الارتياح لدى فتيات يبحثن عن فرصة عمل، وهنا تتساءل دلال، الطالبة المقيمة في المدينة الجامعية بدمشق، وتعمل في أحد الكافيهات القريبة من سكنها، بالإضافة إلى دراستها في إحدى الكليات التي لا تتطلب حضوراً مستمراً خلال الفصل الدراسي: "أيهما أفضل: عمل الفتيات كنادلات في المطاعم أو الكافيهات، أو في مهن قد يعتبرها البعض غير لائقة بالمرأة، أم رفض العمل في الظروف الملتبسة التي قد تقدمها هذه الإعلانات؟!"، وتضيف، ومشاعر الغضب والعتب تعتريها: "أيهما أفضل: أن تعمل المرأة في مكان عام، وعلى مرأى من الجميع، وبالتالي الشعور بالأمان، أم الاستجابة مثلاً لبعض مروجي هذه الإعلانات الذين يدعي البعض منهم أنهم يقدمون فرصة عمل لا تعوض تشوبها الكثير من إشارات الاستفهام؟!".
وتتابع: "اليوم أصبح مشهد الفتيات اللواتي يعملن في المطاعم والأماكن العامة مألوفاً، على الرغم من وجود بعض الآراء التي لا تستسيغه"، ولكن دلال ترى في ذلك فرصة جيدة لتأمين بعض حاجياتها ومتطلباتها الشخصية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، موضحة أن ما تأخذه من أهلها يكاد لا يكفي ثمن محاضرات وبعض المستلزمات، وأن عملها هنا يخفف بعض الأعباء والمصاريف عن كاهل أسرتها التي يضطر والدها في كثير من الأحيان إلى الاستدانة ليرسل لها المال، لذلك طالما أن عمل المرأة يحفظ لها شرفها وكرامتها، وبالتالي يصقل شخصيتها، فهو أمر "يجب أن يكون مدعاة للفخر" لها ولمحيطها ولمجتمعها ككل، وهو أفضل بكثير من انحرافها أو وقوعها فريسة للابتزاز والاستغلال.
شجاعة وصمود المرأة السورية ليست وليدة اليوم، وإن كانت الحرب صقلتها بقوة الإرادة، فالمرأة السورية كانت دائماً رائدة، واعتبرت مثالاً يحتذى به، فهي المبتكرة المبدعة تقاوم الظروف وتتحداها، والعمل بالنسبة لها لم يكن يوماً أمراً طارئاً، ولا غريباً عليها، كانت دائماً متقدمة على غيرها من النساء، وهي اليوم كما الأمس تثبت أنها تستحق كل الاحترام، واليوم لولا تضحيات هذه المرأة لما استطعنا أن نقاوم سبع سنوات من حرب استخدمت فيها كل الوسائل لمحاربتنا وإرضاخنا، ولم ينب أصحابها إلا الفشل!.
هلا نصر
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك