الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

الأخبار » تكنولوجيا

الصفحة السابقة »

أيامنا.. وهذه الأيام

2017-07-03 06:56:32

صار من المألوف والعادي جداً أن تدخل بيتاً لصديق أو لقريب هذه الأيام وترى أحد أجهزة الموبايل بيد طفل أو طفلة ... تنظر وتبتسم.. فتنبري الأم أو الأب ليتحدث عن مدى ذكاء الطفل الذي يستطيع أن يستخدم الموبايل بصورة أفضل من الكبار أنفسهم...ويخبرونك أنه عند النوم. الطفل نفسه يفتح اليوتيوب ويضع أغنية أو يتابع برنامجاً للصور المتحركة إلى أن يغلبه النعاس فينام.. وقد يكون موعد النوم في ساعة متأخرة من الليل..
كانت بداية التغيير كما أذكر مع التلفزيون.. لقد حل التلفزيون منذ أيام الأبيض والأسود محل السهرات التي تجمع الأحبة والأهل والأصدقاء ..صار البيت واحة للتلفزيون.. تتجمع حوله العائلة لمتابعة برامجه دون أن ينتبه أحدهم إلى من يجلس إلى جانبه..
واليوم نشهد تراجعاً كبيراً في التواصل العائلي لمصلحة وسائل التواصل الحديثة.. المفارقة أنها تسمى وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الذي تحتل فيه هذه الوسائل كل أشكال التواصل على حساب ما هو اجتماعي..
طبعاً ليس هناك عاقل يفكر في الوقوف في وجه التطور التكنولوجي.. بل ليس هناك من يمكنه نكران إيجابياته في تقريب المسافات بين الناس ..ففي لمح البصر يمكنك التحدث الى من تشاء وساعة تشاء مع أي شخص في كل أنحاء العالم..
كما أن الاطلاع على المعلومات والاخبار صار متاحاً خلال لحظات.. وذلك بغض النظر عن نوعيتها أو درجة المهنية والصدق فيها...هناك الكثير الكثير مما يقال في هذا المجال..
أنا أشعر بحزن نحو أطفال اليوم.. أشعر أن التكنولوجيا وانشغال الأهل ساهما في ضياع أشياء جميلة عليهم.. لقد ضاعت حكايا الجدات والامهات ..لقد خفّ الاهتمام العاطفي وأقصد التواصل العاطفي معهم.. من يحتضن الكمبيوتر والنقال ليس كمن تحتضنه الجدة أو يحتضنه الجد الحنون ليستمع إلى حكاياه.. التي تحمل العبرة والموعظة وتعزز خبرات الطفل وتغذي وعيه الاجتماعي.
كنا أيام زمان.. نستمتع بالوقت الذي يعطى لنا.. كنا نهتم بحكايات الأبطال الشعبيين.. كنا نتابع تصرفات الأميرة العادلة والحكيمة.. كنا نسعد لمعاقبة الكاذب والمحتال والسارق في تلك القصص.. كان الطفل ينام وهو يحلم أن يكون شجاعاً في مواجهة الظالم.. كان يحلم بانه سيعيد الحق إلى أصحابه كأبطال الروايات..
لهذا أشعر اليوم بحزن على ضياع أشياء جميلة.. أشياء تجعل الأواصر الأسرية أكثر تماسكاً.. والقلوب تعشق النبل والكرم وتقديم العون لمن يحتاجه.. إنها القيم التي تركز عليها كل الحكايات الشعبية في كل مكان في هذا العالم..
حتى أن المرء يعجب كيف يتخلى الأهل عن جزء أساسي من مهمتهم لمصلحة برامج لا يعرفون في كثير من الأحيان حقيقة أهدافها ولا هوية مقدميها.. وفي الأساس هي برامج لم تصنع أصلاً بهدف تربوي يتناسب مع بيئتنا وأخلاقنا وظروفنا..
كانت تلك أيامنا.. تغيرت الدنيا كثيراً وتبدلت قيم كثيرة.. هذا من طبيعة الأشياء.. لكنني أعتقد أن القيم الأساسية التي تتماشى مع الأخلاق الحميدة ومع روح العدل والجمال لم تتغير بل هي شبه ثابتة. أخشى كثيراً من إمكانية ضياعها لمصلحة عالم مادي متوحش.. القيمة الوحيدة فيه هي الربح المادي مهما كانت الوسائل غير أخلاقية..
تلك كان أيام.. ولكل جيل أيامه.. أكيد أطفالنا ليسوا صورة عنا.. هذا معاد لروح التطور.. ومتعارض مع العقل السليم.. لكنني مازلت أعتقد أن التكنولوجيا سرقت من أطفالنا الشيء الكثير من دور الأهل..
ولكن تلك أيامنا وقد مضت .. وهذه أيام جديدة أتمنى أن تحتفظ بالحنان وتقوي الانتماء وتخفف من توحش هذا العالم.

المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي

غازي الذيب

إعلامي ودبلوماسي سابق


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك