أثار الخبر المتضمن (رد مجلس الشعب لمشروع قرار وزارة المالية بمضاعفة رسم الإعمار من 5% إلى 10%) ردود أفعال أقل ما يمكن وصفها بالمستاءة من طريقة تفكير الحكومة ووزارة المالية بتوفير موارد للخزينة العامة، في وقت يواجه فيه المواطن وخاصة شريحة العمال والموظفين معاناة حقيقية في تأمين لقمة العيش، بعد أن تم الاستغناء عن الكثير الكثير من أهم الأساسيات في الحياة اليومية سواء في الغذاء أو الطبابة أو الكساء أو غيرها، الأمر الذي أدى إلى تراجع واضح في مستوى معيشة هذه الشريحة إلى حدود وصفها البعض بأنها أدنى من مستويات الفقر في العالم.
ورأى البعض أن سعي وزارة المالية لمضاعفة هذا الرسم وما سبقه من فرض عدد من الضرائب والرسوم على مختلف الفعاليات هو محاولة منها لتأكيد موقفها من موضوع زيادة رواتب العاملين في الدولة، بذريعة عدم توفر الموارد الكافية لذلك، في حين يرى مراقبون أن هناك مطارح يتم الإنفاق عليها من خزينة الدولة كان يمكن أن توفر بعضاً من تلك الموارد اللازمة لزيادة الرواتب والأجور، حيث يمكن الاستغناء خاصة في ظل ظروف الحرب العدوانية على سورية، مثلاً عن تجديد الأرصفة في الشوارع، والتخفيف من الإنفاق على دهان الأطاريف وضبط استخدام الطاقة في المؤسسات العامة، وكذلك فواتير الهاتف والاتصالات غير المبررة لبعض المسؤولين الذين ينعمون بخطوط هاتف في مكاتبهم يستخدمونها بعض الأحيان لأغراض لا تتعلق بمصلحة العمل.. وغير ذلك الكثير من مظاهر الترف التي تبدو جلية وواضحة على بعض المسؤولين من سيارات وسهرات وإنفاق لا يمكن لأي موظف في الدولة أن يغطيه مهما كان أجره الشهري أو تعويضاته..!!!
وقد يقول البعض إن مثل هذه النفقات لا تشكل شيئاً ولا يمكن أن توفر الملاءة الكافية لتغطية زيادة الأجور والرواتب، لكن لو تم ضبط مثل هذه النفقات وتوفرت الإرادة الواعية لذلك لكان مجموع هذه النفقات في معظم الوزارات والمؤسسات العامة من شأنه بالتأكيد أن يوفر جزءاً منها يضاف إليه ما يمكن توفيره من الاستغناء عن بعض (المشاريع الاستثمارية) غير المفيدة والتي تأتي في غير وقتها.
وبالعودة إلى مشروع القرار الذي كانت تنوي وزارة المالية تمريره في مجلس الشعب الأسبوع الماضي فقد كان من أحد موجبات رد هذا القرار في المجلس من قبل غالبية الأعضاء أن الضريبة المقترحة عالية بالنسبة لذوي الدخل المحدود، وأن الفساد كفيل بمساعدة كبار المكلفين بالتهرب منها، مشيرين في هذا إلى حزمة الرسوم والضرائب التي فرضتها مؤخراً وزارة المالية أو تلك التي ضاعفتها لعدة مرات على أصحاب الفعاليات وعلى الخدمات وغيرها، ما شكل عبئاً كبيراً على المواطنين وأثقل كواهلهم وضاعف من حجم المعاناة اليومية التي يعيشونها...!! وكان في وقت سابق تقدم عدد من أعضاء مجلس الشعب بمقترحات لإعفاء العاملين من ضريبة الرواتب والأجور لعدة سنوات أو تحديد نسبة ثابتة من الراتب تعفى من الضريبة.
ومن بين ردود الأفعال الساخطة على مشروع قرار وزارة المالية كان هناك الكثير من التساؤلات عن الطريقة التي تفكر فيها الحكومة في مثل هذه الظروف، وضرورة الانتباه إلى ضبط مواردها بطريقة أفضل في إشارة إلى حالة التهرب الضريبي الذي قدر في فترة من الفترات ما قبل الحرب بنسبة 15 – 20 % من الناتج المحلي الإجمالي والتي قدرت في حينها بحدود 200 – 300 مليار ليرة قبل سنوات الحرب العدوانية على البلاد.
ودعا آخرون إلى ضرورة إصلاح النظام الضريبي الحالي القائم على فرض رسوم وضرائب مرتفعة، مشيرين إلى أن يتم البحث عن مطارح ضريبية جديدة بعيدة عن دخل الموظف والمواطن العادي الذي أنهكته الحرب وقضمت دخله بالكامل ولم يتبق له سوى فتات يسد فيه رمقه ورمق أبنائه وأفراد أسرته.. والعمل على تكريس العدالة الضريبية وتبسيط النظام الضريبي واستبعاد الفقراء وأصحاب الدخول المنخفضة من العبء الضريبي.
ولعلنا نذكر أنه وقبل أربعة أشهر من الآن تقريباً تم عقد ورشة عمل موسعة حضرها رئيس الحكومة المهندس عماد خميس وعدد كبير من المتابعين والمهتمين من أساتذة الجامعات والمختصين وممثلي قطاع الأعمال من صناعيين وتجار وحرفيين لبحث السياسة الضريبية الحالية وسبل تطويرها وجعلها أكثر عدالة وموضوعية.
ونذكر في حينها أن رئيس الحكومة طرح سؤال بدا في غاية الأهمية، فيما لو تم تطبيقه والسعي للإجابة عليه وهو: هل السياسة الضريبية في سورية تسير بالاتجاه الصحيح وتحقق الغاية المرجوة منها أم أنها عبء على الحكومة والمواطن وتعيق التنمية، وهل يمكن للسياسة المالية أن تحقق رؤية تنموية حقيقية ما لم تتكامل مع السياسات الأخرى تحت مظلة اقتصادية واحدة، وما مدى صحة السياسات المصرفية وهل الرؤية النقدية تتكامل مع السياسة المالية؟.
ويومها دعا رئيس الحكومة إلى تصويب خطوات العمل، لأنه لم يعد مقبولاً السير بعشوائية في عملية التنمية الاقتصادية، ولا بد من وضع استراتيجية متكاملة على أسس واضحة ومحددة، مشدداً على ضرورة مكافحة التهرب الضريبي وتحقيق العدالة الضريبية لتأمين إيرادات حقيقية لرفد العملية التنموية.
لكن ما نراه اليوم وخاصة فيما يتعلق بجانب السياسة الضريبية يؤكد استمرار العمل بعشوائية، فيما يتعلق بالعملية التنمية، وعدم تناسق وانسجام ما بين مختلف الوزارات والجهات المعنية مع توجهات الحكومة في البدء بعملية التنمية الاقتصادية ووفق رؤية استراتيجية متكاملة، على الرغم من قول وزير المالية خلال ورشة العمل تلك بوجود تهرب ضريبي وضرورة معالجة هذا الملف إلى جانب باقي الملفات المتعلقة ومنها إعادة النظر بمعايير التكليف الضريبي لتكون أكثر عدالة وإنجاز التراكم الضريبي، ومتابعة إصلاح النظام الجمركي والاستمرار بمكافحة التهرب الضريبي، على قاعدة تأمين موارد للخزينة وتحقيق معدلات نمو واقعية ومستدامة وتحسين الوضع المعيشي للمواطن وإيجاد فرص عمل، معتبراً أن جملة ما سبق يشكل المحددات الأساسية لتطوير النظام الضريبي، ويومها قال وزير المالية مأمون حمدان إن المرحلة القادمة ستشهد الاعتماد على وسائل علمية وعملية حديثة في مسألة الجباية الضريبية التي تعتمد على التحصيل الشخصي حالياً..
الدكتور عقبة الرضا مدير المرصد العمالي للدراسات والأبحاث وأستاذ المحاسبة في جامعة دمشق، رأى في هذا الجانب أن النظام الضريبي في سورية لم يواكب التغيرات الحاصلة، مبيناً أنه في العام الحالي شكلت نسبة الضرائب على الرواتب والأجور 8.7% من إجمالي تحصيل الضرائب والرسوم، في حين أنها في العام 2010 كانت بحدود 3.2% الأمر الذي يدعو للاستغراب، ودعا إلى ضرورة الحد من التهرب الضريبي من خلال تطبيق نظام الفوترة والاعتماد على الوثائق الرسمية لمعاملات مكلفي الضرائب النوعية.
بعد كل هذا نجد أن إرهاق كاهل المواطنين بمزيد من الأعباء المادية من شأنه أن يزيد في تداعيات الواقع الاقتصادي والاجتماعي، خاصة وأن المستهلك العادي من شريحة محدودي الدخل يواجه تحديات كبيرة في تأمين متطلبات العيش بأقل حد ممكن، وأن ما وصل إليه اليوم واقع الحال من ترد وسوء يتطلب من الحكومة جعل هذا الأمر من أولى اهتماماتها بحيث تجد العلاج الأنسب لإنقاذ المجتمع من المهالك التي تنتظره فيما لو استمر الوضع على ما هو عليه، بالنظر إلى الارتباط الوثيق ما بين مستويات الدخل وتراجع أو انتشار الجرائم والفقر والفساد والتشرد والسرقة وغير ذلك بدوافع مختلفة أقلها تأمين مصادر دخل بغض النظر عن السبل المتبعة.
وفي هذا تهديد خطير يجب ألا تغفل عنه أو تتجاهله الحكومة، فمهما كان حجم الأفكار والرؤى التطويرية والاقتصادية التي تسعى الحكومة لتطبيقها وتنفيذها حالياً ومنها الدفع باتجاه الاستثمار وتنشيط الإنتاج و.....الخ، إلا أن مستويات الدخل المتدنية والتداعيات الناجمة عنها، لن تسمح بنجاح أي مسعى أو خطوة يجري التحضير لها أو القيام بها حالياً.. وستكون من أكبر العوائق التي ستقف في مواجهة خطط وبرامج عمل الحكومة.
محمود ديبو
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي