يسجّل لمؤسسات التدخل الإيجابي –نسبياً- تدخلها بين الحين والآخر في محاولة منها لكسر حدة الأسعار وضبط حالة الارتياب التي تصيب أسواقنا لتعيد لها نوعاً ما توازنها ولاسيما من خلال قيامها بحسم 10% من قيمة الفاتورة الإجمالية، ابتداء من ألفي ليرة وما فوق، وذلك ضمن مشاركة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حملة “عيشها غير”، لكن هذه المحاولات لا تحقق معظم الأحيان مبتغاها المطلوب، بل تبقى الأسعار متمرّدة بعد هذا التدخل على كافة قوانين السوق لفترة ليست بالقصيرة، وكأن وراءها قوى خفية تتحكم بها، أو أنها تخضع لمزاجية تجار أعمى الطمع أبصارهم وبصيرتهم، لأن تدخل المؤسسات يأتي كردة فعل وليس كسياسة مدروسة ومخطط لها على المدى المستمر..!.
دور أكبر
ويؤكد الاقتصادي الدكتور علي حسن أن بإمكان هذه المؤسسات لعب دور بالغ الأهمية يكون له بالغ الأثر والتأثير إذا ما درست السوق المحلية بكل أبعادها ومفاصلها وعرفت كل ما خفي وما أعلن منها، بعيداً عن الروتين والبيروقراطية والمحسوبيات وغيرها من الأمراض التي تزيد قطاعنا العام ترهّلاً يفضي به إلى غياهب سوداوية ترضي من تسوّل له نفسه أن يحيد عن الصواب، مشيراً إلى ضرورة أن تقوم الدولة باستيراد بعض المواد الأساسية الغذائية عن طريق مؤسسات التجارة الداخلية -وتحديداً المؤسسة الاستهلاكية- من خلال تخصيص القطع الأجنبي لها والشراء من المصدر مباشرة وطرحها في مراكزها بأسعار مناسبة وبهامش ربح معقول ومنطقي، وهنا يكمن الدور الإيجابي والمنافس لهذه المؤسسات بحيث تؤمّن السلع بالأسواق بما يعادل الطلب عليها وتمنع بالتالي الاحتكار ورفع الأسعار من ضعاف النفوس، ولتحقيق ذلك لابد من إعطاء المؤسسات المرونة الكافية لاستيراد السلع والمواد الأساسية بالسرعة الكلية وتأمين السوق عند الحاجة.
مرونة
وأضاف حسن: إن هذه المؤسسات تحتاج إلى مزيد من المرونة التي تمكنها من الاستيراد من المصدر مباشرة عن طريق عقود التراضي، معتبراً أنها غير عاجزة عن ذلك وتمتلك الإمكانات الكبيرة التي تخوّلها التدخل مباشرة في السوق وتحقيق المنافسة مع القطاع الخاص ومنعه من الاحتكار بطرق مباشرة وغير مباشرة، دون أن يبقى نشاطها محصوراً في هامش ضيق، وإجبار المستورد أن يبيعها ما نسبته 15% من تجارته بسعر التكلفة وخاصة لمادتي السكر والرز.
مأخذ
لعل أبرز المآخذ على هذه المؤسسات أنها لا تعمل بعقلية القطاع الخاص شكلاً ومضموناً، سواء من ناحية جودة موادها وسلعها المعروضة للبيع وتوافرها على مدار الساعة وبأسعار منافسة، أو من ناحية عرضها بشكل يليق بسمعتها والدور المنوط بها وباحترام المستهلك، والأهم من هذا وذاك أن على هذه المؤسسات أن تضع نصب عينيها ضرورة إيصال موادها الاستهلاكية -ولاسيما الأساسية– إلى كل الشرائح وخاصة ذوي الدخل المتدني جداً، من خلال نشر صالاتها وسياراتها الجوالة في معظم المناطق دون قصرها على مراكز وضواحي المدن فقط، وذلك للاضطلاع بدورها الاجتماعي على أكمل وجه فيصل دعمها إلى مستحقيه الفعليين.
ما سبق يستدعي حتمية إعادة النظر بسياساتها الإدارية والتسويقية وتطبيق مبدأ معاقبة المسيء ومكافأة المجدّ بعد رفدها بكوادر مؤهّلة وذات خبرة تسويقية وتجارية أو إعادة تأهيل وتدريب العاملين فيها، لتصبح منافساً يحسب له ألف حساب لدى الفعاليات التجارية الخاصة، وفي الوقت نفسه تكون شريكاً أساسياً واستراتيجياً في السوق وتضع بقوة قواعد ضبط التوازن وكسر حدة الأسعار تماماً كبيضة القبان، لتحقق عدالة أن تصل السلعة بالسعر المناسب وبهامش ربح يكافئ البائع والشاري، وبالتالي تزداد عائداتها وتطوّر منافذ بيعها، وتفوّت فرصة أن تبقى وضع قواعد السوق حكراً على فئة يزداد ثراؤها ثراء على حساب المستهلك.
طيّ الأدراج..!
يذكر أن هناك مشروعاً لا يزال طيّ الأدراج يعطي وفقاً لبعض المصادر مرونة لمؤسسات التدخل الإيجابي ويمنحها صلاحيات جديدة، وذلك ضمن إطار تفعيل عملها وفق التطوّرات الاقتصادية الراهنة وتحرير التجارة الخارجية والمنافسة، على اعتبار أن هذه مؤسسات لا تزال تؤدّي دورها الاقتصادي والاجتماعي والخدمي من خلال خبرتها على مدى سنوات طويلة، وفي ظل توجّه اقتصادي واكب مرحلة سابقة، لتظهر الحاجة المتزايدة إليها لمرحلة جديدة تنسجم مع عملية التطوير والتحديث للاقتصاد الوطني ومشاركة حقيقية من القطاع الخاص في توفير السلع والخدمات بالمواصفات الجيدة والأسعار المناسبة بما يعكس المرونة اللازمة لعملها في إطار تدخلها الإيجابي بالأسواق، إلى جانب إعطائها الدفع اللازم لتتمكن من المنافسة في السوق وتحقيق الريعية الاقتصادية المطلوبة تنفيذاً لخططها في ممارسة أعمالها من خلال تكاملها في العمل التجاري