الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

دراسات عمالية

الصفحة السابقة »

أخلاقيات العمل والإدارة

لعمل عمل .. نعم ، ولكن ما معنى ذلك ؟ معنى ذلك ان تعطي كل ذي حق حقه فلا تجعل مشاعرك تجاه شخص ما تتحكم في قراراتك في العمل. لا تتحامل على شخص ما لأنه لا يخالف لوائح عمله لكي يرضيك. لا تتنازل عن حقوق شركتك لكي تُجامل الآخرين. العمل يهدف للربح ولاكتساب المال ولكن من خلال إطار أخلاقي. فليس معنى العمل أن تخدع أو تخون الأمانة أو ترتشي أو تسرق أو تكذب أو تظلم .
العلاقة بين العاملين والإدارة
من الأمور المعلومة أن الثقة بين العاملين والإدارة لها علاقة مباشرة بزيادة إنتاجية العامل . فالموظف الذي يعلم أن إدارة المؤسسة ستقدر مجهوداته على المدى القريب والبعيد فإنه يَتَفانى في عمله. ولكن عندما يشعر الموظف بأن إدارة المؤسسة لا تََفِي بوعودها للعاملين فإن هذا يكون أمرا غير مُحفِّز له على تطوير العمل والإبداع وزيادة الكفاءة. لذلك فإن التزام المديرين بالصدق والأمانة والعدل والوفاء والرحمة مع العاملين يؤدي إلى ثقة العاملين في الإدارة وهو ما يؤدي إلى تحفيزهم على العمل ويوفر كثيرا من الوقت الضائع في الشائعات والشكوك والتفاوض .
قارن بين حالتين : حالة الإدارة الملتزمة بأخلاقيات العمل والإدارة غير الملتزمة بأخلاقيات العمل. في الحالة الأولى تجد ان وعود المديرين للعاملين مُصدَّقة بينما في الحالة الثانية تجد ان الوعود غير مُصدَّقة بل يكون الشك مُهيمناًعلى العلاقة بين العاملين والإدارة.في الحالة الأولى تجد كثيرا من العاملين يستمر في العمل لسنوات عديدة طالما كان الدخل مقبولا بينما في الحالة الثانية تجد العاملين يبحثون عن بديل باستمرار حتى وإن كان الدخل مرتفعا . في الحالة الأولى تجد العامل سعيدا في عمله ولديه ولاء لهذه المؤسسة المحترمة بينما في الحالة الثانية تجد العلاقة مبنية على المقابل السريع لأن المقابل بعيد المدى غير مضمون .
هذا الأمر يمتد تأثيره إلى العمالة التي قد تتقدم لوظائف بالمؤسسة . فالمؤسسة التي تتعامل بطريقة أخلاقية مع موظفيها تجتذب كفاءات سوق العمالة بينما المؤسسة التي لا تُبالي بهذه الأمور تُنَفِر الكثير من تلك الكفاءات . تأثير ذلك على قدرات المؤسسة غنيٌ عن التفصيل. كذلك فإن أسلوب تعامل المؤسسة مع المتقدمين لوظائف يؤثر على الكفاءات التي تقبل التوظيف بها بل والتي تتقدم لها مستقبلا .
العلاقة بين العاملين
عندما يكون الصدق والتعاون الاحترام والأمانة هي الأخلاقيات المنتشرة بين العاملين وبعضهم البعض فإن هذا يؤدي إلى تَفجر طاقات العاملين لصالح العمل . بينما عندما تكون ثقافة الخداع والنفاق والإساءة للزملاء هي المسيطرة فإن كل عامل يكون على حذر من زميله ويتعاون معه بقدر ضئيل ويُخفي عنه الكثير من المعلومات وقد يكذب في التقارير التي يكتبها لرئيسه وهكذا. في الحالة الأولى يمكن تشكيل فرق عمل لحل المشاكل وتطوير العمل بينما في الحالة الثانية فإن فرق العمل تفشل لعدم وجود روح التعاون والثقة بين العاملين. في الحالة الأولى تجد أن بيانات العمل دقيقة وصحيحة بينما في الحالة الثانية تجد أن كثيرا من البيانات خاطئة وكثيرا من التقارير مُضلِّلة. في الحالة الأولى تجد الخبرة تنتقل من موظف لزميلة ولمرؤوسه وكذلك من جيل لجيل وبالتالي فإن العاملين دائما في حالة نمو وتطور وهو ما ينعكس على المؤسسة .
بينما في الحالة الثانية تجد أن كل موظف يُخفي معلوماته عن زميله وتجد الخبرة تَضِيع بانتهاء خدمة موظف ما وعلينا البدء من جديد. في الحالة الأولى تجد أن كل موظف مستعد لتحمل بعض الأعباء الإضافية بينما في الحالة الثانية تجد أن كل موظف يتجنب تحمل أي مسئوليات إضافية. في الحالة الأولى تُقابل أي مبادرة من أحد العاملين لتطوير العمل بالتِرحاب بينما في الحالة الثانية تقابل بالشكوك و بالتساؤل عن الأهداف الخفية لصاحب المبادرة. في الحالة الأولى يكون العمل هو الشغل الشاغل للعاملين بينما في الحالة الثانية تكون مهارات التغلب على مكائد الزملاء ومهارات إيقاعهم في المشاكل هي الهدف الأسمى لكل عامل .
علاقة أخلاقيات العمل بسياسات الإدارة الحديثة
كما ترى فإن أخلاقيات العمل تساعد المؤسسة على اتباع أساليب الإدارة الحديثة والعكس صحيح. فالمؤسسة الأخلاقية تستطيع أن تطبق سياسات مثل Jusy In Time  لأنها تستطيع التعاون مع الموردين لتوريد المواد الأولية في الوقت المناسب وتستطيع تكوين فرق عمل وتستطيع الاعتماد على المشغلين لضبط الجودة وتستطيع حل مشاكل المعدات وهكذا. كذلك فإنها تستطيع تطبيق سياسة Total Productive Maintenance أو الصيانة الإناتجية الشاملة لأن روح التعاون بين التشغيل والإنتاج ستكون متوفرة أصلا وسيكون بإمكانها تكوين مجموعات صغيرة لحل مشاكل المعدات وسيكون لدى المشغلين الحماس لتنظيف المعدات بانفسهم وهكذا. هذه المؤسسة تستطيع أن تكون لديها سرعة في اتخاذ القرار ومرونة عالية لأنها تستطيع الثقة في المرؤوسين وبالتالي لا تحتاج لأن يتم اعتماد القرار من سلسلة طويلة من المديرين. هذه المؤسسة تستطيع تشكيل فرق عمل لتطوير المنتجات أو الخدمات وتستطيع تكوين تحالفات استراتيجية Strategic Alliances مع الموردين والمنافسين. اتباع اخلاقيات العمل تساعد كذلك على دراسة المشاكل بالأساليب الحديثة وتطبيق نظم مثل Six Sigma لأنه يمكن الرجوع لبيانات تاريخية دقيقة وصادقة. أما المؤسسة التي لا تكترث بأخلاقيات العمل فإن كل تلك السياسات لايكون لها فرص نجاح كبيرة بها. فلا يمكن تطبيق أياً من أساليب التفكير الجماعي مثل عصف الذهن ولا يمكن تشكيل فرق عمل و لايمكن دراسة المشكلات بناء على بيانات صحيحة ولا يمكن الثقة في أحد .
إرساء أخلاقيات العمل في المؤسسة
اتباع الأخلاق هو أمر يجب أن يحرص عليه كل شخص ولكن إدارة المؤسسة لن تعتمد على مدى التزام العاملين بأخلاقيات العمل بناء على قناعاتهم الشخصية بل هي بحاجة لأن تُلزمَهم بذلك كجزء من مُتطلبات العمل. فكما أوضحت فإن عدم الالتزام بأخلاقيات العمل يؤثر على أداء المؤسسة وبالتالي فلابد لها من الحرص على تطبيقها. لذلك فإنه من الضروري تحديد ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي في عُرف المؤسسة لكي يلتزم به الجميع. في غياب ذلك فإن كل موظف يكون له مقاييسه الشخصية والتي تختلف من شخص لآخر .
كذلك فإنه لا بد من التعامل بحزم مع كل إخلال بهذه الأخلاقيات. لابد أن يتم التعامل مع الكذب في التقارير وفي البيانات وفي التعامل بكل حزم. لابد أن تُعامل روح العداء والإيذاء بين العاملين بالجزاء الرادع. لا يمكن ترك كل موظف يتصرف حسب ما اعتاد عليه فلا يمكن ترك الموظفين يتبادلون الألفاظ البذيئة أو يَحِيكون المؤامرات لبعضهم. لا يمكن أن يتم التعامل مع من لا يحترم اخلاقيات العمل بتهاون فهذا يجعل الجميع يسلك نفس المسلك. لا يمكن أن تقبل أن يكون العاملين لهم مصالح متداخلة مع مصالحة المؤسسة. لا يمكن أن تقبل أن تكون روح العداء هي المنتشرة بين العاملين. لا يمكن أن تقبل أن يخدع موظفا عميلا أو موردا أو مُتقدم لوظيفة. لا يمكن ان تقبل إدارة المؤسسة أن يأخذ العاملين هدايا قيِّمة من الموردين أو العملاء. يجب أن يتم التعامل مع كل أمر يخص أخلاقيات العمل بكل شدة مهما كانت رتبة الشخص المخالف .
الحِرص على أخلاقيات العمل هو أمرٌ أخلاقي وديني وإداري. مع الأسف فإن إهمالنا لأخلاقيات العمل يجعل العاملين لا يتعاونون والشركات لا تثق في بعضها والكل يبدأ بسوء الظن ولا يمكننا الاستفادة من خبرات بعضنا. أخلاقيات العمل ضرورة للتطور. لابد أن تكون لأخلاقيات العمل أولوية أكبر بين موظفينا ومُديرينا .

 


مشاركة :
طباعة