الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

السودان إلى أين في ظل التدخلات الخارجية

2019-09-04 05:50:56

عندما بدأت أحداث ما يسمى "الربيع العربي" كان السودان يعاني من مشاكل داخلية كبيرة ورأت القوى المصنعة لهذا الربيع الأسود والمزيف أن هذه المشاكل كافية لبقاء السودان غارقا في مستنقع خطير ذلك أن الأوضاع فيه غير مستقرة في معظم أقاليمه وقد وصلت كما هو معروف إلى حد نشوب حروب متنقلة وصراعات مفتوحة بين الحكومة المركزية وتلك الأقاليم وخاصة في إقليم دارفور فضلا عن حرب الشمال والجنوب التي أدت إلى انفصال الجنوب وتشكيل دولة خاصة به مساحتها أكثر من 30% من مساحة السودان وفيها معظم ثروات السودان النفطية.

بالطبع جاءت الأحداث الأخيرة في السودان منذ مطلع العام الجاري 2019 لتزيد الطين بلة –كما يقال- وازدادت وتيرة الحراك في الشارع السوداني ما أدخل البلاد في أزمة بين المحتجين والمؤسسة العسكرية وبالتالي أدت إلى إزاحة البشير من قبل مجلس عسكري وسارعت على الفور قوى خارجية دولية وعربية للتدخل عبر إعلان تأييدها لهذا المجلس كما قامت السعودية والإمارات بضخ المليارات لدعمه ما يشير إلى مخطط أعد مسبقا لوضع السودان تحت وصايتهما على الرغم من أن نظام البشير كان ضالعا في المشاركة في الحرب على اليمن تحت قيادة السعودية عبر ما يسمى التحالف العربي ولكن هذا الأمر لم يشفع له حيث تخلت عنه السعودية وأسيادها في أمريكا منذ اللحظات الأولى لبدء الاحتجاجات ومن المؤكد أن واشنطن لم تكن غائبة عن المشهد السوداني إذ اجتمع بومبيو أكثر من مرة مع سفير السعودية في واشنطن للتباحث حول السودان وقاما بدفع المجلس العسكري الانتقالي إلى المماطلة بعدم الموافقة على تسليم السلطة لحكومة مدنية والالتفاف على مطالب المحتجين إلى أن حصلت مذبحة فض الاعتصام من قبل قوات الردع السريع التي قتلت الشباب ورمت بأجسادهم في النيل كما فعلت داعش في الموصل وبفتاوى سعودية.

إذاً التدخلات السعودية والإماراتية زادت الأزمة تعقيدا وقد تكشف للشعب السوداني الدور الذي يلعبه النظامان في محاولة إيجاد نظام حكم عسكري أو خليط بين العسكريين والمدنيين يكون تابعا للمحور الذي تقوده السعودية وينشر الخراب والدمار في أكثر من بلد عربي بتوجيهات أمريكية – إسرائيلية وخدمة لمشروع تفتيت وتقسيم الوطن العربي فالمخطط بالنسبة للسودان تقسيمه إلى خمس دويلات وإعادة شركات النفط الأمريكية وفي مقدمتها شركة "شيفرون" لنهب النفط السوداني والتي أوقف عملها في أعقاب انقلاب البشير.

إلى جانب ذلك فإن الإسلاميين في السودان من عناصر "الحركة الإسلامية" يلعبون دورا قذرا ومشبوها داخل المؤسستين العسكرية والأمنية وفي مجالات الاقتصاد والمال التابعة للدولة العميقة وهي التي كانت وراء محاولة "الانقلاب على الانقلاب" في 24/7/2019 لأنها محسوبة على نظام البشير وهذا ما كشفته اعترافات رئيس الأركان الذي قاد المحاولة الانقلابية الفريق أول هاشم عبد المطلب الذي اعترف بأنه عضو في الحركة الإسلامية وأنه لا يخجل بذلك.

على أي حال وقع المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على اتفاق سياسي تضمن مرحلة انتقالية وبنودا أخرى بتشكيل مجلس سيادي وحكومة مؤلفة من 20 وزيرا على أساس أن يتم التوصل إلى إعلان دستوري إلا أن "مجزرة الأبيض" التابعة لولاية كردفان وسط السودان والتي قتل فيها عدد من التلاميذ عطلت ذلك، المجزرة جاءت إثر مسيرة طلابية في 29/7 جرت رفضا لتقرير لجنة التحقيق في فض اعتصام وزارة الدفاع واحتجاجا على الغلاء ونقص السلع وقد حمّلت قوى التغيير مسؤولية ذلك للمجلس العسكري.

بعد ذلك حسم المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير يوم السبت الثالث من آب 2019 نقاط الخلاف بينهما على الوثيقة الدستورية وتم التوقيع عليه مساء الأحد الرابع من شهر آب من قبل الطرفين.. ووفقا لتصريحات من الفريقين اتفق على تشكل لجنة تحقيق مستقلة في الأحداث والانتهاكات السابقة تؤسس لمرحلة جديدة مليئة بالطموحات وأن جهاز الأمن سيكون خاضعا للسلطة السيادية والتنفيذية وسيقتصر اختصاصه على جمع المعلومات وتحليلها مع سحب الصفة العسكرية عنه وأن الوثيقة الدستورية للمرحلة الانتقالية تؤسس لنظام حكم برلماني وترك حسم شكل الدولة وتقسيمها الجغرافي للحكومة الجديدة التي ستسمي قوى الحرية والتغيير رئيسها على ألا تتعدى 20 وزيرا وأما المجلس التشريعي فسيكون بنسبة 67% لقوى الحرية والتغيير و33% للقوى غير الموقعة على الاتفاق والتي شاركت في الثورة.

على أية حال يبدو أن السودان لن تستقر فيه الأحوال السياسية في وقت قريب إذ إن إشعال الأوضاع فيه والتدخلات الدولية والإقليمية في شؤونه خاصة السعودية ومن ورائها أمريكا هي التي تحرك الوضع باتجاه التعقيد بحيث يبقى السودان ملعبا لها تسفك فيه الدماء كما سفكت دماء العراقيين والسوريين واليمنيين في مخطط ضرب البلدان العربية بلدا بلدا خدمة لإسرائيل وإرضاء لأمريكا.

د.صياح عزام


مشاركة :
طباعة